الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يوجه رسالة مفتوحة لليسار

نشر في  22 جوان 2016  (10:44)

لا يمكن لليسار التونسي ان يؤثّر في الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة لأنّه يلعب دور المعارض دون ان تكون له استراتيجيا تسمح له بالتأثير في القرارات الحكوميّة.. فرغم انّ الجبهة الشعبية تتبنّى حلما اجتماعيّا نبيلا يتمثّل في ارساء سياسة تحمي حقوق ضعفاء الحال والمهمّشين والشّباب، فانّها بقيت نسبيا سجينة فكر سياسي «بدائي» مازال يستعمل عبارات «بروليتاريا»  و«الاستغلال الفاحش» و«الامبريالية» وكأنّ حرب الطبقات مازالت المحرك للتاريخ كما يعتقد ذلك الشيوعيون وان كان هناك تطور نسبي في المصطلحات وفي التحليل، وحتى في المواقف.
أوّل ملاحظة يمكن التذكير بها هي انّ أغلب الأحزاب الشيوعية في العالم تطوّرت بما في ذلك روسيا التي تحوّلت الى بلد رأسمالي معدل، والصين الشعبية التي أقامت نظاما اقتصاديا رأسماليا في ظلّ نظام سياسي سالب لكلّ الحريات.. وفي تونس تغير اليسار خلال السنوات الأخيرة بفضل مجهودات الرّاحلين محمد حرمل وأحمد ابراهيم ثم سمير بالطيب وسلمى بكّار ورياض بن فضل وعدد آخرمن قادة اليسار، لكن خطاب اليسار وممارساته وتوجّهاته لم تتطوّر بما فيه الكفاية حتى يستغل التناقضات بين النهضة والنداء ويطرح نفسه بديلا قادرا على المساهمة في قيادة البلاد خاصّة انّ عددا هاما من ناخبي النداء تخلوا عن هذا الحزب بعد أن خذلهم وتحالف مع النهضة.. لقد تنكر النداء لناخبيه ولعب دورا في افلاس البلاد  ولم يحاول تأسيس دولة عادلة بل انقسم الى حزبين وجعل من ابن رئيس الجمهورية قائد الحزب!

انّ أمام اليسار التونسي فرصة تاريخيّة ليغيّر نفسه حتى يفوز بعدد هام من أصوات النّاخبين الوسطيين فضلا عن أصوات مناضليه.. وهناك أسئلة هامّة على الجبهة الشعبية وخاصة حمة الهمامي واحمد الصدّيق ومنجي الرحوي وجيلاني الهمامي وزياد لخضر وعمار عمروسية وغيرهم من قيادات الجبهة، الإجابة عنها:
1) ما علاقة اليسار بالمؤسّسة الاقتصادية؟ هل هي «مصّاصة دماء» أم مشروع يجب الدّفاع عنه مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح العمّال؟
2)عوض تأجيج بعض الاضطرابات، هل هناك وسائل أخرى يمكن استخدامها لتجنّب الاصطدامات والتحرّكات الاحتجاجيّة داخل الإدارة وفي المؤسّسات الاقتصاديّة؟ انّ الطبقات الوسطى لن تصوّت لفائدة حزب يرتدي زيّا ثوريا أو تهريجيا لأنّ هذه الطبقات محافظة وترفض الخطاب المتشنّج الذي تجاوزته الأحداث والزمن كما ترفض هذه الطبقة التغييرات الراديكالية...
3) هل يمكن لليسار طمأنة المستثمرين التونسيين والأجانب والدّفاع عن المؤسّسة الاقتصادية ورفض بعض الاحتجاجات الهمجية والمدمّرة؟
4) أيّ معادلة بين العدالة الاجتماعية والحفاظ على المؤسسة الاقتصادية؟ انّ الأعراف ليسوا بأعداء لتونس بل هم وطنيّون وجب احترامهم..
5) هل يمكن لليسار التونسي ان يغيّر فلسفته ويطوّر ممارساته على غرار ما فعل اليسار اليوناني الذي اصبح أكثر واقعيّة خاصّة بعد الأزمة المالية التي كادت تعصف بالبلاد؟
6) هل يمكن لليسار ان يصبح حزبا أكثر وسطية ويتحالف مع الأحزاب المدنية الحقيقيّة حتى يقع انقاذ تونس من التحالف غير الطبيعي بين النداء والنّهضة، وكلاهما يفتقر لرؤية اجتماعيّة ولم يهتمّ على النحو الأمثل بمدنية الدولة واستقرار البلاد وارساء عدالة اجتماعيّة لا تتعارض مع تنمية المؤسسة الاقتصادية التي لا يمكن في غيابها ضمان اي استقرار ولا تحقيق اي نجاح!

انّ هناك فرصة تاريخية لتطوير اليسار التونسي  ولكن المشكل هو انّ بعض قيادييه غير واعين ـ بما فيه الكفاية ـ بحتمية هذه التغييرات المصيرية.. إنّ اليسار الكلاسيكي محكوم عليه بالزّوال فهل يؤسّس يسار جديد يهتمّ بتنمية المؤسسة الاقتصادية وبحقوق ضعاف الحال وكذلك بمدنيّة الدولة وبالدّفاع عن الحريات ودولة القانون والاعلام الحر؟